الحاجب المنصور: القائد الذي أعاد هيبة المسلمين في الأندلس

nabilpress4 نوفمبر 2025آخر تحديث :
الحاجب المنصور: القائد الذي أعاد هيبة المسلمين في الأندلس

مقدمة

عندما بدأ الضعف يتسلل إلى الدولة الأموية في الأندلس، واهتزت هيبة قرطبة أمام ملوك الشمال، ظهر رجل من عامة الناس قلب الموازين.
اسمه محمد بن أبي عامر، وعُرف لاحقاً بـ الحاجب المنصور.
قاد البلاد في أصعب مراحلها، أعاد النظام والهيبة، وترك خلفه تاريخاً من القوة والعدل لم يتكرر في الأندلس بعده.


بدايات متواضعة وصعود لافت

ولد محمد بن أبي عامر سنة 326هـ / 938م في مدينة الجزيرة الخضراء، جنوب الأندلس.
نشأ في أسرة بسيطة، ودرس الفقه والإدارة، وعمل في ديوان القضاء بقرطبة.
ذكاؤه الهادئ لفت نظر الخليفة الحكم المستنصر بالله، فقرّبه إليه وعيّنه مشرفاً على أموال الدولة.
ومع مرور الوقت، أصبح من أكثر رجال القصر نفوذاً، خاصة بعد أن تولى تربية ولي العهد الصغير هشام بن الحكم.


من كاتب إلى حاكم فعلي

بعد وفاة الخليفة الحكم سنة 366هـ، كان هشام لا يزال طفلاً، فاستغل المنصور الفراغ السياسي بحكمة.
جمع السلطة بيده دون أن يعلنها، فأصبح “الحاجب” الذي يدير البلاد باسم الخليفة.
نظّم الجيش، أعاد الانضباط إلى الإدارة، وأصلح القضاء والضرائب.
في سنوات قليلة، تحولت الأندلس من فوضى وصراعات إلى دولة قوية تُهاب في أوروبا.


الانتصارات المتتالية

قاد الحاجب المنصور أكثر من خمسين حملة عسكرية ضد الممالك النصرانية في الشمال.
لم يُهزم في أي منها، وكان آخر من حمل راية النصر باسم الأندلس.
من أبرز انتصاراته فتح مدينة سانتياغو دي كومبوستيلا، المركز الديني للنصارى في شمال إسبانيا.
ورغم قوته، حافظ على أخلاق الجهاد، فلم يعتدِ على كنيسة أو يظلم أسيراً، مما زاد احترام خصومه له.


مدينة الزاهرة: رمز القوة والتنظيم

أنشأ المنصور مدينة جديدة قرب قرطبة سماها الزاهرة، لتكون مركز الحكم والإدارة.
أقام فيها القصور والمكاتب والحدائق، وجعلها نموذجاً للنظام والرفاه.
كانت الزاهرة صورة مصغرة لعصر المنصور: انضباط، عمران، وازدهار علمي.


وفاته ونهاية عصر المجد

توفي الحاجب المنصور سنة 392هـ / 1002م أثناء عودته من إحدى غزواته.
عند قبره وُجدت ورقة كتب فيها:

“هذه غزوات المنصور في سبيل الله، عددها اثنتان وخمسون، لم يُهزم في واحدة منها.”
بموته فقدت الأندلس قائدها الأقوى، وبدأت مرحلة التراجع التي انتهت بسقوطها بعد قرن ونصف تقريباً.


إرثه التاريخي

كان المنصور قائداً لا يعتمد على النسب أو المال، بل على الكفاءة والانضباط.
أعاد هيبة الدولة الأموية في الأندلس، وحمى حدودها، وفرض احترامها على أوروبا.
ترك خلفه نموذجاً للقائد الذي يجمع بين الحزم والعدل، بين القوة والإيمان.


ما نتعلمه من الحاجب المنصور

  • الإصلاح يبدأ بالعدل قبل السيف.
  • القائد الحقيقي من يضع هيبة الأمة فوق مصلحته.
  • التاريخ لا يخلّد من يحكم فقط، بل من يبني ويصون.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!